في تقرير نشره الكاتب بيتر بيرغن، خبير شؤون الأمن القومي لدى قناة "سي أن أن" ومؤلف كتاب "10 سنوات من مطاردة بن لادن"، بعد تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن أساليب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) في استجواب مشتبه في علاقاتهم بالإرهاب، حيث قال فيه إنه مع كمّ المعلومات التي وفرها نشر التقرير حول أساليب الاستجواب التي اعتمدتها الولايات المتحدة ضد المشتبهين بالإرهاب، حسم تحليل المعطيات الواردة فيه الجدل بشأن سرّ نجاح واشنطن في العثور على الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 ماي 2011، حيث تبيّن أن ذلك لم يحدث باستخدام الأساليب القاسية وإنما بواسطة تعقب مقطع صوتي لشاب كويتي عام 2002 ثم إعادة التقاطه في مجاهل باكستان إثر ذلك بثماني سنوات كاملة.
أضاف الكاتب، حسب موقع "سما": "الغريب أيضا، بإلقاء نظرة على التقرير، أنّ من قاد المحققين للتعرف على اسم صاحب المقطع الصوتي الذي تبين أنه ليس سوى خادم بن لادن، أحمد الكويتي، هم معتقلون مشتبهون بالانتماء للقاعدة، اعترفوا بذلك قبل البدء باستخدام برنامج الاستجواب القاسي، وكذلك بواسطة معلومات وفرتها حكوماتٌ أجنبية، وليس من قبل أي من الذين كانت وكالة الاستخبارات المركزية تحتجزهم في ذلك الوقت".
وتابع الكاتب "بل الأكثر مفارقة هو أنّ عددا ممن خضعوا لبرنامج الاستجواب القاسي على أيدي محققي وكالة الاستخبارات المركزية أدلوا بمعلومات مظللة وغير صحيحة لإبعادهم عن بن لادن وقللوا من أهمية خادمه الكويتي والذي تبيّن لاحقا أنه كان المفتاح الأبرز في مسلسل تعقب زعيم القاعدة".
وقال الكاتب في تقريره "توفر المعلومات التي تضمنها تقرير التعذيب الربط المنطقي لكمّ المعلومات الاستخباراتية والتي تم تحليلها بنفس أسلوب قصص أغاتا كريستي لتقود في النهاية إلى قتل بن لادن".
ويشير التقرير إلى أن أحمد الكويتي كان على اتصال بمهندس 11 سبتمبر خالد شيخ محمد، الذي كان أشرس معتقل في وجه أساليب الاستجواب القاسي، وذلك بعد تعقب مراسلات إلكترونية واتصالات هاتفية عام 2002 .
وتابع "وما جعل من تلك المعلومة ثمينة جدا أنّ ذلك المقطع الصوتي الذي تم تعقبه بين الرجلين منذ 2002، توافق مع صوت تم التقاطه في باكستان عام 2010 ليتبين للمحققين أن أحمد الكويتي هو صاحب الصوت وأنه يوجد حول منطقة أبوت أباد".
وعن كيفية جمع المحققين المعلومات حول الكويتي فقد قال الكاتب إنها تعود إلى 2002عندما وفّر أربعة معتقلين كان يجري استجوابهم من قبل حكومات أجنبية (تعرف هنا بالخريطة على دول عربية ساعدت الولايات المتحدة) معطياتٍ حول سنه وشكله وأسرته، وهي معطيات كانت متوفرة حتى قبل أن يصل اسمه إلى محققي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وتابع "كما قال المعتقلون الأربعة إنّ الكويتي كان أحد المقربين من بن لادن، ومن أبرزهم حسن غول وهو أحد ناشطي تنظيم القاعدة في كردستان بالعراق. ووفقا للمصادر فقد كان غول أكثر من وفر أدق المعلومات حول الكويتي وذلك بداية 2004 حتى قبل أن يدخل الاحتجاز الأمريكي تحت سلطة وكالة الاستخبارات".
وعن الحراسة الأمنية لبن لادن قال الكاتب "والأبرز من ذلك أن غول أوضح للمحققين أنّ بن لادن على الأرجح ليست له حراسة أمنية مشددة وأنه على الأرجح أيضا يعيش في منزل مع أسرة في مكان ما من باكستان" وذلك على خلاف خمسة من أبرز من احتجزتهم وكالة الاستخبارات من ضمن المشتبهين والذين "أكدوا" أن الكويتي لا يتعامل إلا مع أعضاء القاعدة غير الفاعلين وليس القياديين، وأنه في أقصى الحالات يهتمّ بأسرة بن لادن وليس زعيم القاعدة نفسه".
لكن ما اسم الكويتي الحقيقي؟
قال الكاتب "بعد أن تنبهت الاستخبارات المركزية إلى أن الكويتي ربما سيكون صيدا ثمينا وأنه يستحقّ التعقب، وفّر لها جهاز استخبارات أجنبي اسمه الحقيقي عام 2007؛ فاسمه الحقيقي هو إبراهيم سعيد أحمد، وطيلة ثلاث سنوات سيكون على وكالة الاستخبارات أن تعثر عليه من ضمن 180 مليون شخص يعيشون في باكستان وليس من وسيلة ممكنة للبدء بالرحلة المضنية سوى تعقب المكالمات الهاتفية ومقارنتها بالمقطع الذي تملكه منذ ما يزيد عن ثماني سنوات".
وأضاف "وفي أواخر صائفة 2010، تلقى الكويتي اتصالا من أحد أصدقائه القدامى في الخليج والذي كان تحت مراقبة وكالة الاستخبارات الأمريكية".
بدأت المكالمة بسؤال من الصديق للكويتي "لقد اشتقنا إليك.. أين كنت وأين أنت؟" فردّ الكويتي "لقد عدتُ للعمل مع نفس الأشخاص الذين كنت معهم من قبل". وبعد أن حلّلت الاستخبارات المكالمة ترسخت لديها قناعة أنّ ذلك يعني أن الكويتي عاد إلى الحلقة الضيقة لأسامة بن لادن. وانتهت المكالمة بقول الصديق للكويتي "أعانك الله". واعتبرت وكالة الاستخبارات المكالمة دليلا على أنّ الكويتي مازال يعمل مع القاعدة، وهو الأمر الذي لم يكن قبل ذلك محلّ قطع ويقين.
وتابع "وبتحليل المعطيات المتعلقة بالهاتف الذي استخدمه الكويتي، خلصت وكالة الأمن القومي الأمريكية إلى أنّه يوجد في مكان ما شمال غرب باكستان. لكن المشكلة كانت في أن الكويتي يعتمد أساليب حادة الذكاء في التخفي، حيث أنّه لم يكن يضع البطارية في الهاتف إلا عندما يكون بعيداً بمسافة لا تقلّ عن ساعة زمن من مجمع أبوت أباد الذي يقيم فيه مع بن لادن".
وأضاف "وفي أوت 2010، نجح متعاونٌ باكستاني مع وكالة الاستخبارات المركزية في العثور على الكويتي في مدينة بيشاور المكتظة والتي أسس فيها بن لادن تنظيم القاعدة قبل أكثر من عقدين. وأبلغ الباكستاني محققي وكالة الاستخبارات المركزية بأنّ الكويتي يستخدم سيارة سوزوكي بيضاء وخلفها إطار عجلة احتياطي. وعندما كان في طريق العودة كانت عيون المحققين تتعقبه داخل السيارة وهي تتهادى طيلة ساعتين نحو الشرق حيث يقع مجمّع بن لادن".
وقال "وبوصول المحققين إلى هناك، كان أول ما استرعى انتباههم انعدامُ التغطية الهاتفية وعدم وجود انترنت فيها، ما كان يعني أن ساكن المجمع لا يرغب في أن يتم يكون مكشوفا. إثر ذلك، خلص عددٌ من مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى قناعة مفادها أن أسامة بن لادن نفسه يعيش في هذا المكان. وبالطبع كانوا على حق وبقية القصة تعرفونها".